الاثنين، 8 يونيو 2020

مجلس تدبر سورة البلد

مجلس تدبر سورة البلد ~

سورة مكية ذكر الله في أولها ما قدر على الإنسان في هذه الحياة الدنيا من المشقة والتعب والأكداز، ولهذا حث على التحمل والصبر وعدمالتضجر مما يُبتلى به في هذه الحياة الدنيا..



﴿لا أُقسِمُ بِهذَا البَلَدِ﴾

يقسم تعالى ﴿بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ الأمين، الذي هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا وقت حلول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها.



﴿وَأَنتَ حِلٌّ بِهذَا البَلَدِ﴾

أي كونك حالاً فيه ، لأن حلول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يزيدها شرفاً إلى شرفها ..


﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ أي: آدم وذريته.



﴿لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ﴾ 

والمقسم عليه قوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقومالأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم.

وإن لم يفعل، فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد.

ويحتمل أن المعنى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وأقوم خلقة، مقدر على التصرف والأعمال الشديدة، ومع ذلك، [فإنهلم يشكر اللهعلى هذه النعمة [العظيمة]، بل بطر بالعافية وتجبر على خالقه، فحسب بجهله وظلمه أن هذه الحال ستدوم له، وأن سلطان تصرفه لا ينعزل،



﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه.



فـ ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ أي: كثيًرا، بعضه فوق بعض.

وسمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكًا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم والخسار والتعبوالقلة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع الله، وربح أضعاف أضعاف ما أنفق.


﴿أَيَحسَبُ أَن لَم يَرَهُ أَحَدٌ﴾ 

قال الله متوعدًا هذا الذي يفتخر بما أنفق في الشهوات: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ أي: أيحسب في فعله هذا، أن الله لا يراه ويحاسبه علىالصغير والكبير؟

بل قد رآه الله، وحفظ عليه أعماله، ووكل به الكرام الكاتبين، لكل ما عمله من خير وشر.



﴿أَلَم نَجعَل لَهُ عَينَينِ﴾ 

﴿وَلِسانًا وَشَفَتَينِ﴾ 

ثم قرره بنعمه، فقال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ للجمال والبصر والنطق، وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا.



﴿وَهَدَيناهُ النَّجدَينِ﴾ 

ثم قال في نعم الدين: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن﴾ أي: طريقي الخير والشر، بينا له الهدى من الضلال، والرشد من الغي.

فهذه المنن الجزيلة، تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله، ويشكر الله على نعمه، وأن لا يستعين بها على معاصيه ، ولكن هذا الإنسان لميفعل ذلك.



﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ أي: لم يقتحمها ويعبر عليها، لأنه متبع لشهواته .



﴿وَما أَدراكَ مَا العَقَبَةُ﴾ هذا الاستفهام للتشويق والتعظيم 

يعني ماالذي أعلمك شأن هذه العقبة



﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ 

وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر [هذهالعقبة ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ أي: فكها من الرق، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاكالأسير المسلم عند الكفار


﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة.



﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ أي: جامعًا بين كونه يتيمًا، فقيرًا ذا قرابة.



﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أي: قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة..



﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذينَ آمَنوا وَتَواصَوا بِالصَّبرِ وَتَواصَوا بِالمَرحَمَةِ﴾ 

﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، وعملوا الصالحات بجوارحهممن كل قول وفعل واجب أو مستحب﴿وَتَوَاصَوْابِالصَّبْرِ﴾ على طاعة الله وعن معصيته، وعلى أقدار المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد لذلك، والإتيان به كاملًا منشرحًا به الصدر،مطمئنة به النفس.

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ للخلق، من إعطاء محتاجهم، وتعليم جاهلهم، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، ومساعدتهم على المصالحالدينية والدنيوية، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.



﴿أُولئِكَ أَصحابُ المَيمَنَةِ﴾

أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف، الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ لأنهم أدوا ما أمر الله به من حقوقه وحقوقعباده، وتركوا ما نهوا عنه، وهذا عنوان السعادة وعلامتها.



﴿وَالَّذينَ كَفَروا بِآياتِنا هُم أَصحابُ المَشأَمَةِ﴾

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا﴾ بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظهورهم، فلم يصدقوا بالله، [ولا آمنوا به]، ولا عملوا صالحًا، ولا رحموا عباد الله، ﴿والذينكفروا بآياتنا همْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَة﴾



﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ أي: مغلقة، في عمد ممددة، قد مدت من ورائها، لئلا تنفتح أبوابها، حتى يكونوا في ضيق وهم وشدة.

نسأل الله أن يجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة إنه سميع مجيب..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق