الاثنين، 8 يونيو 2020

مجلس تدبر سورة الغاشية

مجلس تدبر سورة الغاشية~


سورة مكية ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في الركعة الثانية من صلاة العيد والجمعة ، وقد ذكر الله عز وجل فيها أحواليوم القيامة ومافيها من الأهوال العظام ومصير وحال أهل السعادة وأهل الشقاء


وتُذكر هذه السورة العظيمة بقدرة الله العظيمة التي ينبغي ألا تغيب عن المؤمن أبدا ويحتاج إلى تعلمها وتذكرها..



﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الغاشِيَةِ﴾ الاستفهام للتشويق ويجوز أن يكون للتعظيم لعظم هذا الحديث عن الغاشية


حديث الغاشية : نبؤها وخبرها

والغاشية : هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس وهي يوم القيامة .


ثم قسّم الله الناس في هذا اليوم إلى قسمين فقال:


﴿وُجوهٌ يَومَئِذٍ خاشِعَةٌ﴾ أي ذليلة 

﴿عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ عاملة عملاً يكون به النصب وهو التعب 

ويحتمل أن المراد [بقوله:﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل، ولكنه لما عدم شرطه وهوالإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع بههو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهلالنار بالنسبة إلى أهلها ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.


﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ أي: شديدًا حرها، تحيط بهم من كل مكان.



﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أي: حارة شديدة الحرارة ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ فهذا شرابهم.



﴿لَيسَ لَهُم طَعامٌ إِلّا مِن ضَريعٍ﴾ وهذا طعامهم شجر ذو شوك عظيم إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم ، وإن كان أخضر رعته الإبل



﴿لا يُسمِنُ وَلا يُغني مِن جوعٍ﴾ لا يسمن الأبدان في ظاهرها

ولا يغني من جوع في الباطن 


ثم ذكر الله القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية :


﴿وُجوهٌ يَومَئِذٍ ناعِمَةٌ﴾ بنا أعطاها الله من السرور والثواب الجزيل 


﴿لِسَعْيِهَا﴾ الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى عباد الله، ﴿رَاضِيَةٍ﴾ إذ وجدت ثوابه مدخرًا مضاعفًا، فحمدت عقباه،وحصل لها كل ما تتمناه.



وذلك أنها ﴿فِي جَنَّةٍ﴾ جامعة لأنواع النعيم كلها، ﴿عَالِيَةٍ﴾ في محلها ومنازلها، فمحلها في أعلى عليين، ومنازلها مساكن عالية، لها غرف ومنفوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة.



﴿لا تَسمَعُ فيها لاغِيَةً﴾ كل ما فيها جد ، كل ما فيها سلام ، كل ما فيها تسبيح وتحميد وتهليل


﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ وهذا اسم جنس أي: فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاءوا، وأنى أرادوا



﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ و " السرر " جمع " سرير " وهي المجالس المرتفعة في ذاتها، وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.



﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ أي: أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة، قد وضعت بين أيديهم، وأعدت لهم، وصارت تحت طلبهم واختيارهم، يطوف بهاعليهم الولدان المخلدون.



﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ أي: وسائد من الحرير والاستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، قد صفت للجلوس والاتكاء عليها، وقد أريحوا عن أنيضعوها، و يصفوها بأنفسهم.



﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ والزرابي [هي:البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.


كيف لنفسٍ تقرأ هذا النعيم وما تشتاق أن تكون من هذا القسم الفائز برضوان الله جعلنا الله واياكم من أهل الجنة


ثم يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده: 

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ أي: [ألاينظرون إلى خلقها البديع، وكيف سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرونإليها.



﴿وَإِلَى السَّماءِ كَيفَ رُفِعَت﴾ كيف رفعت بما فيها من النجوم والشمس والقمر وغير ذلك وكيف رفعت هذا الارتفاع العظيم بغير عمد ترونها 



﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ بهيئة باهرة، حصل بها استقرار الأرض وثباتها عن الاضطراب، وأودع فيها من المنافع [الجليلةما أودع.



﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ أي: مدت مدًا واسعًا، وسهلت غاية التسهيل، ليستقر الخلائق على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغراسها،والبنيان فيها، وسلوك الطرق الموصلة إلى أنواع المقاصد فيها.

واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها، كما دل على ذلك النقل والعقل والحسوالمشاهدة، كما هو مذكور معروف عند أكثر الناس، خصوصًا في هذه الأزمنة، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله منالأسباب المقربة للبعيد، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدًا، الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر.

وأما جسم الأرض الذي هو في غاية الكبر والسعة ، فيكون كرويًا مسطحًا، ولا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.



﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ أي: ذكر الناس وعظهم، وأنذرهم وبشرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم.



﴿لَستَ عَلَيهِم بِمُصَيطِرٍ﴾

ولم تبعث مسيطرًا عليهم، مسلطًا موكلًا بأعمالهم، فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم، كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْبِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾.


﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ أي: لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله



﴿فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ أي: الشديد الدائم



﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ أي: رجوع الخليقة وجمعهم في يوم القيامة.


﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ فنحاسبهم على ما عملوا من خير وشر.

نسأل الله أن يجعلنا ممن تكون وجههم ناعمة لسعيها راضية وأن يتولانا برحمته وعنايته في الدنيا والآخرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق