الجمعة، 5 ديسمبر 2014

تدبرات من سورة ق~

حول السورة:

اسم السورة: اسم السورة: 

الاسم الذي وقع عليه الاجماع هو اسم (ق) لأنه لم يرد هذا الحرف مفرداً في غير هذه السورة فصار عَلَماً عليه. وقد ذكر السيوطي لها اسم "الباسقات" لكنه غير مشتهر.

السورة مكية وقيل أنها نزلت بعد المرسلات على عدّ جابر بن زيد وواضح جداً منها بعد أن صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته وأبان القضايا المرتبطة باليوم الآخر لأن مقصد السورة واضح أنه مرتبط بالبعث مما يدل على أنها في مرحلة متقدمة من العهد المكي وموضوعاتها موضوعات السور المكية في العقيدة وخاصة عقيدة البعث. والسور المكية لا تكاد تخلو من إشارة إلى البعث، إما بالتفصيل وإما بالإشارة.



محورها: واضح جداً من خلال السورة أن العمود الأساسي فيها هو قضية البعث وما يدور حوله سواء ثبوت البعث، ما يقع في البعث، ما يكون مآل الكفار، ما يكون مآل المؤمنين كله مرتبط بقضية البعث. هذا أحد أسباب حرص النبي في قراءتها في صلاة الفجر يوم الجمعة أو كذلك في الخطبة كما روت أم هشام أنها ما حفظت سورة ق إلا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها على المنبر

د.عصام العويد


🌺 فيه تشابه بين سورة(ق) وسورة(ص):


حيث ابتدأت السورتين بالقرآن وختمت بالقرآن ..

🌺 وذكر الشيخ مساعد الطيار وقفة جميلة في برنامج التفسير المباشر 1432هـ
قال:


تأملت في بداية ص(والقرآن ذي الذكر)
وفي ق(والقرآن المجيد)فلماذا جاء وصف المجيد في ق؟

قال والعلم عند الله:
لأنه جاء في الحديث: عندما يقرأ العبد الفاتحة ويقول(مالك يوم الدين)يقول الله عز وجل(مجّدني عبدي)..

وسورة ق مليئة بالحديث عن ( يوم الدين) لذلك جاء ذكر (المجيد)فيها.. 
*–بتصرف-

🌺 جاء في فضلها:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأها في المجامع الكبرى،

كان يقرأها في العيد هي واقتربت الساعة وكان يقرأها في الجمعة أيضاً وورد عن أم هشام أنها قالت ما حفظت سورة ق إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يقرأها في كل جمعة على المنبر، يعني ليس فقط في الصلاة وإنما كان يقرأها على المنبر، يخطب بها،
حَفِظَتْها من النبي عليه الصلاة والسلام.


والنبي عليه الصلاة والسلام اختار هذه السورة لأن يقرأها في العيد ويقرأها في كل جمعة أو في بعض الجمع وهناك سر في هذه السورة.؟!
فماهو ؟!

ومن الأسرار التي قالها العلماء أن هذه السورة تذكر بالآخرة ويوم العيد ويوم الجمعة يوم اجتماع وزينة فكأنها تقول لهم أن هذه الزينة وهذا السرور لا يتعدى إلى منكرات قد تؤثر على الشخص في اليوم الآخر. ولذلك جاء فيها(ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ). فجاءت هناك آيات تدل على تذكير الإنسان بالآخرة، بالقيامة والتذكير بالقيامة من أفضل ما يخوَّف به الإنسان والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدمه "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره" "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" وهكذا أحاديث كثيرة. فهي تُذكِّر بالآخرة وهي كانت تقرأ في الجمعة والجمعات وهي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم




من هنا نأتي لموضوع السورة:
وهو

(إثبات البعث. وأنه ليس أصعب من الخلق الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم


سورة ( ق ) تعالج قضية الإيمان في القلب..
وفيها بيان أن أعظم وسيلة لتعرف ربك هي من خلال القرآن لذا بُدئت السورة بالحديث عن القرآن (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)) وخُتمت بالحديث عن القرآن (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)).


لذلك أخواتي لنحرص على فهم موضوع السورة التي نقرؤها أو نستمع إليها حتى نتمكن من فهم محور آيات السورة العام .
ولنحرص على أن يكون لديك إلمامة بالسور وعلاقتها بحياتنا حتى نتفاعل معها بشكل أفضل وتؤثر في القلب وفي السلوك واقعاً ظاهراً.

(ق*والقرآن المجيد)


القرآن مجيد في ألفاظه ،مجيد في معانيه،ومن طلب المجد ليقبل على كتاب الله.
🌷 (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم)
ليس العجب بأن يأتي بشر مثلكم،
بل العجب أن يأتيكم ولا تؤمنوا به.

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد)🌷


وهذا حال كل من غرق في الحياة المادية وأصبح يكره البعث ويريد الخلود،حتى في وقتنا الحالي يكره البعض أن يُذكّر بالجنة والنار..

والله المستعان

(بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج)


وهذا حال كل مكذّب تختلط عليه الأمور ،فلا يدري أهو على حق أو باطل(نسأل الله أن يرنا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه)

بدأ الله هذه السورة بذكر القرآن (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) 


وهنا تنبيه على أن أعظم برهان وأقوى حجة هي هذا القرآن ..

🌷 ولذا أقوى من يؤثر في القلوب من يريد الهداية ومن يريد السداد ويريد أن يسير في هذه الحياة الدنيا على هدى ونور ويكون في الآخرة في رفعة وجنات عالية فعليه أيضاً أن يكون مع هذا القرآن ..

ولذا ختمت السورة (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)
د.عصام العويد

🌷 (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها)


السماء معروف أنها ( فوقنا)

وجاء الله عز وجل بذلك وكأنه عتاب لنا ...


السماء فوقك قريبة منك فلماذا لا تتفكر فيها ؟؟

تمشي في الشارع تأمل السيارات وهي تذهب وتجيء وتأمل عدد هؤلاء الخلائق، وكم عدد من يمشي على قدميه ومن يمشي بسيارته ومن يجيء ويتكلم أعداد هائلة من الناس ومن السيارات ومن المحلات ومن ومن وأنت في الطريق، من الذي يحصي كل حركة لهؤلاء الناس؟


سبحان الله لو تفكرنا في ذلك لعظم توقير الله في قلوبنا وعرفناه جل في علاه


وقال (كيف بنيناها)هل نعرف كيف بنيت السماء؟
لو تفكرنا في ذلك لقوية معرفتنا بالله..ولا يلزم أن أقرأ أشياء علمية وفلكية في ذلك يكفينا التدبر والتفكر فيها

واذكر هنا قصة ذكرها د/عصام العويد عن رجل كان يلعب كرة القدم :


يقول الرجل: كنت ألعب كرة قدم وكان الفريق الذي ألعب معه فريق قوي جداً والفريق الآخر ضعيف وكنت أنا لا أحسن اللعب فجعلوني حارس المرمى فكنت أجلس متكئاً على عمود الشباك يقول أجلس لربع ساعة ما تأتيني الكرة لأن الكرة في الجهة الثانية فيقول سبحان الله لما جاء وقت الغروب قبل الغروب بثلث ساعة يقول رفعت بصري إلى السماء وأخذت أتأمل في الشمس حال غروبها من الذي يحركها؟ لم لا تسرع؟ لم لا تبطئ؟ لم اليوم لا تخرج في وقت متأخر؟ يقول أخذت أنظر سبحان الله إلى هذه الشمس وحركتها العجيبة وقوة إضاءتها وكيف لو أنها زادت فأحرقت الناس وكيف لو أنها ضعفت فتجمد الناس؟ ثم جاء سحاب فغطى الشمس وقت غروبها ثم نظرت إلى السحاب يقول فأخذت في هذه ثلث ساعة أنظر إلى السماء وما فيها

 يقول والله خرجت من هذا الملعب وذهبت لأصلي المغرب يقول ما صليت في حياتي صلاة أخشع ولا ألذ من هذه الصلاة.

ولا زالت الآيات تدعو إلى التفكر(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)
تفكر في إمتداد الأرض ولو كانت وعرة لما استطاع الإنسان الإستفادة منها وكرر سبحان الله ،حتى يقوى اليقين في قلبك


(وألقينا)بشكل مبعثر هذه الجبال(سبحان الله)

وهكذا ..
لذلك قال أهل العلم قديماً:أهل الزراعة والفلاحة أقرب إلى الله من أهل الصناعة لماذا؟

سبحانه💦
لأنهم يتفكرون في أشياء قريبة منهم الأرض ونزول الماء من السماء وخروج الثمر(فسبحان الله )


ألا تشعرين بعد جلوسكم أمام البحر (مثلا)ساعات طويلة تتفكرين في عظمة خلق الله،ستغادرين المكان بشخصية أخرى،منشرحة الصدر،قد تأملت في الكائنات في البحر وكيف سعيها للحصول على طعامها؟وغير ذلك مما يدلك على رحمة الخالق سبحانه؟أليس كذلك؟

لذلك قال د/عصام العويد:

التفكر في الكون يدخل البهجة لأنك تعرف رحمة ربك تعرف قدرته تعرف وعده ووعيده سبحانه وتعالى.


(تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ )
(تَبْصِرَةً وَذِكْرَى) ما الفرق بين التبصرة والذكرى؟

التبصرة دائمة والذكرى عند الحاجة. 

أحياناً الإنسان يغفل فيحتاج إلى ذكرى، يمرض هو، يمرض قريب له، حادث سيارة يراه أمام عينيه، ويحرك قلبه فيبصر أنه كان لا يبصر فالذكرى تأتي مثل العلاج مرة ومرة. 

أما التبصرة فهي دائمة والمفترض أن تكون في كل الأحوال (لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ)
فما الفائدة منها؟

إنما الفائدة لكل عبد منيب الذي أناب ورجع منها لما نظر ونظر ونظر واستفاد أنه عرف الرب فعاد إلى خالقه منيباً خائفاً وجلاً راجياً. 

د/عصام العويد

(وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا)
فالله تعالى حينما ينزل المطر هذا المطر الذي ينزل ليس أي ماء وإنما هو مبارك ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في مسلم قال "إنه قريب عهد بربّه" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج متاعه ويرفع ثوبه حتى يصيبه

ثم لنتأمل:

خشوع الأرض وطمأنينتها ولينها بعد جفافها وقسوتها ـ بسبب نزول المطر ـ
هو المثل الذي ضربه الله للمؤمنين معاتباً لأجلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على عدم خشوعهم الخشوع الحقّ عند سماع آيات الله تعالى، تدبر هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 16، 17]، 

وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} [الحديد: 16] 

إلا أربع سنين!

يقول د.عمر المقبل -حفظه الله-:

أنا أتساءل: 
ترى لو قُدّر أن ينزل القرآن من جديد .. 

فما الآية التي يمكن أن نعاتب بها؟! نسأل الله أن يعفو عنّا.

وهذا الدرس من أعظم الدروس والعبر التي ينبغي الاعتبار بها في مثل هذه المناسبة، فكم في قلوبنا من الغفلة والقسوة!

إن ما أودعه الله في السماوات والأرض من أرزاق الحكمة منه أولاً التبصر فيها وشكر الله عليها ثم الانتفاع به لذلك تقدم ذكر (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب)ثم بعدها بآيات قال(رزقاً للعباد)

(رزقاً للعباد)
ما أكرمك يارب علينا،،كل هذا تفضل منك ورحمة فكم أجرمنا في حق ربنا؟؟ينعم علينا ليل ،نهار ،،فهل شكرنا الله على نعمه؟؟


ثم انتقلت الآيات للحديث عن قصص السابقين لتذكير المنكرين للبعث بمصير من سبقهم وكانوا أيضاً مكذبين بالبعث لعلهم إن لم يرتدعوا بأسلوب التذكير بالتفكر يرتدعون بعقاب الأمم السابقة وهلاكهم! (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ﴿١٢﴾ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ﴿١٣﴾ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴿١٤﴾) فهذه الآيات دخلت في وسط أخبار البعث للتنبيه على تشابه هذه الأمة أمة قريش مع الأمم السابقة وأنهم إن استمروا في التكذيب سيقع عليهم ما وقع على هذه الأمم المذكورة، ولهذا عاد الحديث مرة أخرى إلى الدليل الثالث من أدلة البعث وبيان قدرة الله سبحانه وتعالى في قوله (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) وهذا هو أحد أدلة البعث (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) على رغم كل الأدلة التي ساقتها الآيات ما زال أمر البعث والإيمان به مختلط على هؤلاء الكفار وما زالوا يشككون وينكرون البعث!


{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .


🌷يخبر تعالى، أنه المتفرد بخلق جنس الإنسان، ذكورهم وإناثهم،

 وأنه يعلم أحوالهم..

وأنه أقرب إليهم من حبل الوريد، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى ⬅️ مراقبة خالقه، المطلع على ضميره وباطنه، 

القريب منه في جميع أحواله، فيستحي منه أن يراه، حيث نهاه، أو يفقده، حيث أمره..

🌷 وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال، فيجلهم ويوقرهم، ويحذر أن يفعل أو يقول ما يكتب عنه، مما لا يرضي رب العالمين، ولهذا قال: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} أي: يتلقيان عن العبد أعماله كلها، واحد {عَنِ الْيَمِينِ} يكتب الحسنات {و} الآخر {عن الشِّمَالِ} يكتب السيئات، وكل منهما {قَعِيدٌ} بذلك متهيئ لعمله الذي أعد له، ملازم له.

وتستمر الآيات واعظة منذرة لكل من لم يتفكر ولكل من لا يؤمن بالبعث ولا بقدرة الله تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿١٧﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾) 



الحديث عن اللسان لعل الواحد منا يراجع كلامه من ساعة ما يستيقظ إلى ساعة ينام:

📍هل كل ما قاله مباحٌ؟

📍هل كله حلال؟

📍كم سُجّل علينا من كلام؟!



 فلنعرض أنفسنا على هذه الآية العظيمة ونستحضر عظمة الحساب على ما ذكرناه بألسنتنا ليس في يوم واحد وإنما طيلة أعمارنا من ساعة ما جرى علينا القلم!



لننظر إلى عظيم سجلاتنا عند ربنا سبحانه وتعالى وما أحصاه علينا ونسيناه!

 كم اغتبنا؟!

كم بهتنا؟!

 كم كذبنا؟!

كم شهدنا زورا؟!

 كم قلنا فجورا؟!

 تخيّل نفسك في موقف الحساب وأنت بين يدي ربك وتؤتى كتابك وتتيقن أنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عليك مكتوبة موثّقة لا مجال لانكارها، يوم تؤتى بالصحف فتُنشَر وفيها كل ما قلتَ بلسانك أحصيت عليك بالكلمة والحرف!

🌷{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} خير أو شر {إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: مراقب له، حاضر لحاله، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}..

مايلفظ :

الألفاظ تشير إلى صلاح القلب أو فساده فإذا صلح القلب صلح اللسان

🍃حاسِب نفسك من الآن وضع نصب عينيك هذه الآية (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) قبل أن تتلفظ بكلمة اعرضها على الآية واسأل نفسك هل ستُكتب لي أم عليّ؟

واختر لنفسك ما تريد أن يكون مدوّناً في صحيفتك يوم القيامة! وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخذ بلسان معاذ فسأله معاذ: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم.


{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿٢١﴾ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ...}

🌷 
السكرة هي ما يعتري الإنسان من الشدة وذهاب العقل وما تتغشاه ساعة الاحتضار ولذا كأن مسألة سكرة الموت هي كأنها ما يحصل لعقل الإنسان عند هذا اليوم الشديد كما يقال الإنسان حينما يشرب الخمر –عافانا الله وإياكم- يقول إن هذا الرجل ذهب عقله لأن به سكرة أو لأنه شرب الخمرة فأسكر عقله وأذهبه. كذلك ما يعتري الإنسان حين موته من شدة ومن آلام نزع الموت كأن تلك اللحظات كأنما هي سكرة من سكرات الموت يذهب بها عقل الإنسان. ولذا في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تغشّاه الموت كان يمسح العرق عن جبينه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ويقول إن للموت لسكرات إن للموت لسكرات. وها هو الصديق رضي الله وأرضاه لما تخبر عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين ما رأته من آثار لسكرات الموت على والدها وعلى زوجها قبل ذلك صلى الله عليه وسلم فأرادت أن تسلّيه فامتثلت قول حاتم:


لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشجرت يوماً وضاق بها الصدر


د.إبراهيم الحكمي

ولا شك أن الاستماع لهذه الآيات من أشد ما يعظ المسلم عندما يستمع إليها ...

http://safeshare.tv/w/dWraCdrsJd

ومن سكرة الموت إلى وهلة الحشر وهول الحساب: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ )

وفي هذا الموقف العصيب يقال له: 
( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

🍃{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}
الله أكبر! يؤتى بكل كفار عنيد مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ

{ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}

ما أوسع هذه الكلمة وإذا جعلناه أشمل من وصفها للكفار العنيد،فإنها تعم كل إنسان تعبد وتذلل لغير الله حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها فإنه عابد لها،والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له،قول النبي صلى الله عليه وسلم(تعس عبد الدينار،تعس عبد الدرهم،تعس عبد الخميصة،تعس عبد الخميلة) 

محمد بن عثيمين-رحمه الله-

ويكشف السياق عن جانبٍ أشد وأعظم: ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)

فيقذفون مع كثرتهم في جهنم تباعاً وتتكدس ركاماً، ثم تنادى: 
يا جهنم! هل امتلأتِ واكتفيتِ؟ 
،

،
..

ولكنها تجيب جواباً يروع القلوب ويهز النفوس:  
( هَلْ مِنْ مَزِيدٍ )
 فيا له من هولٍ شديد ورعبٍ أكيد يبعث على القلوب الحية على الأخذ بأسباب الوقاية منها!


🍃ويقابل هذا المشهد المرعب، مشهد الجنة وهي تقرب من المتقين: 
( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) إلى قوله سبحانه وتعالى: 
(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )

وكتطبيق عملي لخطوات التدبر في هذه الآيات:
اِعرِض نفسك على الآيات التي تقرؤها أو تستمع إليها. عندما تقرأ الحديث عن الجنة عِش مع الآيات وكأنك في الجنة وإذا قرأت الحديث عن النار تذكر ذنوبك وادعُ الله أن يغفر لك وينجيك من النار..

🌱{ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ}

قال الفضيل بن عياض : 
"هو الرجل يذكر ذنوبه في الخلاء , فيستغفر الله منها ",
ومما يدخل في هذا المعنى احد السبعة الذين يظلهم الله في ظله : "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " أي : من تذكره لعظمة الله ولقائه , ونحو ذلك من المعاني التي ترد على القلب .
تفسير بن كثير-رحمه الله-

ثم عادت الآيات إلى تهديد الكفار كفار مكة بأحوال السابقين في قوله (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴿٣٦﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧﴾)

 وهي مرتبطة بقوله (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ)

 الذي ذكره سابقاً فكأنه يقول مرة أخرى يعيد عليهم التنبيه أنه كان هناك أمم كثيرة كانت تدّعي ما تدّعون أنتم، اِبحثوا عنهم الآن لن تجدوهم، أهلكهم الله عز وجل، فاعتبِروا وعودوا إلى طريق الحق والهدى قبل أن يحلّ بكم ما حلّ بهم.


🍃( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )

هذه الآية تذكر لنا منافذ التدبر(القلب الحي)
و
(الاستماع المتقبل لهذا الخطاب بحضور ذهن)

طريقك إلى الجنة....
التقوى،خشية الله بالغيب،القلب المنيب كثير الرجوع إلى الله،هل حققناها؟؟

النهاية....(ادخلوها بسلام)




أسأل الله أن يكتبنا ووالدينا منهم()

ثم ختم السورة وأدمج في هذه الخاتمة الحديث عن قدرته سبحانه وتعالى والأمر بالصبر والعبادة وانتظار ما سيحل بالكافرين وهذا يكثر في القرآن في أن الله عز وجل يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الانتظار والتمهل والصبر وأن الله عز وجل سوف ينزل عقوبته بهؤلاء الكافرين. وفي قوله سبحانه وتعالى (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴿٣٩﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴿٤٠﴾ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴿٤١﴾)



أمرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده المقتدين به المهتدين بهديه أن يصبر ويسبح ربه آناء الليل وأدبار السجود وينتظر إلى هذا اليوم الذي يقع فيه العذاب على هؤلاء الكفار كما وعد الله سبحانه فإنه لا يخلف الميعاد.
و ختمت هذه السورة العظيمة بقوله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) وبداية الآية (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ) 

فيها تأكيد على معنى ورد في السورة سابقاً في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)) (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

وختمت هذه السورة العظيمة بما بُدئت به وهو الحديث عن القرآن فانظر أيها الإنسان إلى قدرة ربك وتعرّف عليها من خلال خلقه لك وما في الكون من حولك من آيات من خلال أعظم وسيلة وهي القرآن العظيم. (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) ذكّر بالقرآن لا بغيره من يخاف وعيد. فالأصل الذي تُذكّر به القلوب والذي يعيش الإنسان من أجله ويعيش معه وفيه هو هذا القرآن العظيم كلام الله العظيم القوي القدير سبحانه.

وبعد يا أمة القرآن هذه وقفات سريعة ونظرات خاطفة في سورة من أعظم سور القرآن. 

🌺

فأين القلوب التي تعي كلام الله، وتتدبر آياته؟! 


أين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً؟! 

العجب كل العجب! 
أن تكون مضغٌ مكونة من لحمٍ ودم أقسى من الجبال الرواسي والحجارة القاسية! 
ألم يقل الله سبحانه: 
{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }

فما بال قلوبنا لا تلين ولا تخشع عند سماع آيات كتاب الله؟! 

إنها دعوة إلى المسلمين جميعاً، ولا سيما حملة كتاب الله، أن يتدبروا كتاب الله، وأن يستلهموا ما فيه من العبر والعظات، وأن يقفوا عند عجائبه ويحركوا به القلوب.

🌱{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ }
لتكن أساسيات الدعوة ... بالقرآن
والحمد لله رب العالمين...

وبعد ذلك يارفيقة استمعي لآيات سورة ق 
استماع تعبد..

وتدبري بما يفتح الله لك ()🌸

http://cdn.top4top.net/d_835f8327e41.mp3


*المراجع:
تفسير ابن كثير
تفسير ابن عثيمين سورة ق
برنامج التفسير المباشر




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق