الثلاثاء، 28 يناير 2014

كيف أتدبر ؟ وكيف تحضر المعلمة الدرس القرآني ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله حمداً يوافي نعمه ، ويكافئ مزيده ..

وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه وسلم..

لقد أمرنا الله بتدبر كتابه العزيز ، وأبان لنا سبحانه أن الغاية العظمى من إنزال القرآن هي تدبره فقال عز وجل (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَأُوْلُوا الأَلْبَابِ)..ص 27

محور حديثنا :

كيف أتدبر؟

كيف تحضر المعلمة الدرس القرآني؟

 

التدبر:

تعريفه.. قال ابن القيم رحمه الله: تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبره وتعقله.

وقال الشوكاني رحمه الله: هو التأمل لفهم المعنى ، يقال تدبرت الشيء، تفكرت في عاقبته وتأملته.

 

إن فهم القرآن وتدبره ليس مقصوراً على العلماء فقط ، بل قال الله تعالى ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)

ولا يختلط عليك معنى التفسير بالتدبر؟

فالتفسير له شروط لأنه من القول على الله ولذا تورع بعض السلف رحمهم الله لأنه يشرح الآية القرآنية، أما التدبر فلا يحتاج إلى شروط فقط يحتاج إلى فهم المعنى العام مع حسن القصد وصدق الطلب..

يقول ابن القيم رحمه الله:

إن أردت أن تنتفع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطب به وتكلم به سبحانه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ..

 

لابد من ركنين أساسيين باجتماعهما يتميز التدبر عن غيره:

1/ الركن النظري: وهو الوقوف مع الآيات والتأمل فيها ويدخل في هذا الركن التفسير والاستنباط ، والفكر والتأمل وطرح السؤال.

2/ الركن العملي: وهو التفاعل مع الآيات وقصد الانتفاع والامتثال، ويدخل في هذا الركن الاعتبار والتذكر.

احرصي في أول لقاء مع طالباتك أن توضحي لهم قواعد وركاز التدبر:

1/ تعظيم القرآن العظيم : اغرسي في نفسك ونفس أطفالك واهلك وطالباتك تعظيم القرآن..

القرآن ثقيل وليس بالهيّن، ( قل هو نبأ عظيم) ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا)

بل بلغ الغاية في الإعجاز وشدة التأثير( ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) لكان هذا القرآن ، قاله قتادة ، والفراء وابن قتيبة، وابن عطية وابن كثير، والسعدي وغيرهم.

من عظمة هذا القرآن أنه أثر في أعداء الدين وفي الكفار قبل المسلمين ، حتى في الجن !

(وإذ صرفنا إليك نفراُ من الجن يستمعون القرآن)مرّ هؤلاء الجن وسمعوا ذلك الصوت الذي لم يستطيعوا ان يتجاوزوه

(فلما حضروه) لما أقبلوا وشنفوا مسامعهم بذلك الصوت لم يستطيعوا أن يفارقوه(قالوا أنصتوا)

أعداء لهذا الدين ومع ذلك يتواصون يتواصون بالاستماع لهذا القرآن لماذا؟؟

لشدة تأثيره وبلاغته وعظمته..

(فلما قضي) لما انتهى ذلك الصوت لم يستطيعوا أن يتجاوزوه إلا بعد انتهائه..(فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين)

سبحان الله.. هذا القرآن من عظمته وروعته غيّر تلك القلوب..

كانت تكفر برب العالمين فأصبحت قلوباً مؤمنة ، داعية، صالحة مصلحة..(ولوا إلى قومهم منذرين)

اغرسي هذه العظمة في نفسك ونفوس طالباتك إما عن طريق ورشة أو برنامج مصغر..

عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى قال: لا تبلغوا ذروة هذا الأمر إلا حتى لا يكون شيئاً  أحب إليكم من الله .

 

ومن أحب القرآن فقد أحب الله..

بعد ذلك انتقلي إلى آداب تلاوة القرآن بعد ان يستشعروا عظمة هذا الكتاب ولماذا نتأدب معه.

 

2/ القلب:

قال الزركشي رحمه الله: اعلم انه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا تظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة وفي قلبه بدعة ، وإصرار على ذنب، أو في قلبه  كبر أو هوى أو حب دنيا أو يكون غير متحقق الإيمان ، أو ضعيف التحقق..

 

يقول تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)

الران المحيط بالقلب هو الذي يغلق الطريق بينها وبين الله

وحجم الجهد المطلوب لفتح الطرق المغلقة بين القلوب وخالقها يختلف من شخص لآخر حسب ما يحيط بالقلب من الأغلفة والظلمات..

فأنا أعالج هذا القلب حتى يدخله النور، فهذا النور لا يخالط قلباً غافلاً عاصياً ..

حتى الهموم والأحزان تحجب وتشتت، وما مثل شيء يشتت القلب مثل عداوة النفس..

 

عن سهل بن عبد الله التستري قال:

حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكرهه الله..

وقال ابن تيمية رحمه الله: في قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) فكما أن ورقه لا يمسه إلا المطهرون فكذلك معانيه لا يهتدي لها إلا القلوب الطاهرة..

يا صاحبة القرآن إن أردتِ أن تفتحي صفحات هذا القرآن المجيد فقبل هذا تفقدي قلبك هل فتحتِ صفحاته  هو أيضاً أم على قلوب أقفالها.

 

كيف أعرف أن قلبي حيّا بكتاب الله؟

أجاب القرآن عن ذلك فقال الله عز وجل( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها..)

فعن ابن مسعود رضي الله عنها قال: قلنا يا رسول الله (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه)كيف انشراح الصدر؟

قال : إذا دخل النور القلب، انشرح الصدر وانفتح..

قلنا يا رسول ، وما علامة ذلك؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل النزول ..

 

الخطوات العملية للتدبر:

1/ اختيار المكان والزمان المناسبين.

2/ الاستماع الجيد للآيات

3/القراءة الصحيحة المرتلة ، الاهتمام بالوقف والابتداء، التكرار..

4/ افتحي قلبك قبل المصحف وكلما كان وردك أكثر كان فهمك أكثر

5/ اقرئي من مصحف على هامشه تفسير

6/ كوني سؤلة ، وجهي أسئلة للآيات.

7/التدارس 8/ الصبر وعدم الاستعجال 9/ العناية بربط الآيات بأسماء الله الحسنى وتفسير السعدي رحمه الله يغرس هذه المعاني..

 

كيف تحضر المعلمة الدرس القرآني:

جمع المادة العلمية/

1/اخلصي النية لله سبحانه واحتسبي الأجر في تعليمك لكتاب الله ، فالنفس سريعة التفلت ، قوية التقلب، إن لم ينتبه لها صاحبها خسر وهلك.

2/ التضحية في سبيل تعليمك لكتاب الله: فهو يحتاج وقت وترك بعض الشهوات

3/ عند تحضير الدرس/ استمعي للآيات بخشوع وحضور قلب وإخبات.

4/ الزمي نفسك فهم ما تقرئين من الآيات

4/ معرفة معاني المفردات التي يصعب عليك فهمها مقترح لك( السراج في بيان غريب القرآن للدكتور محمد الخضيري)

5/ دراسة تفسير الآيات من أحد كتب التفسير مثل : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي/ أيسر التفاسير للجزائري/ المصباح المنيرللمباركفوري

وموقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف فيه هذه التفاسير

هذا إلى جانب أسباب النزول وفضائل السور والناسخ والمنسوخ.

وإن كانت المعلمة غير متخصصة في العلوم الشرعية فأنصحها بالاكتفاء بما في السعدي والجزائري وبن كثير والطبري فهي لا غبار عليها وتناسب الجميع..

6/ اختاري وقت مناسب للتحضير ، واحتسبي انك تتعبدين لله في هذا الوقت.

7/ بعد القراءة دوّني الآتي:

( اسم السورة ، عدد آياتها، فضلها، مناسبتها بما قبلها او بما بعدها ، مكيتها ومدنيتها، المتشابه والناسخ والمنسوخ ، محور السورة )

موسوعة التفسير الموضوعي بإشراف د . مصطفى مسلم توضح لك هذه الخطوات

 

للاستزادة:

في أسباب النزول( المسند التصحيح في أسباب النزول  مقبل الوادعي)

علم المناسبات( نظم الدرر  للبقاعي)

أغراض سور القرآن ( أغراض السور في تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور  محمد بن إبراهيم الحمد )

 

8/ حاولي طرح أسئلة على الآيات: لنأخذ مثال سورة الكهف من 1- 15:

س: لماذا افتتحت السورة بالحمد؟

س:ما علاقة آخر سورة الإسراء بأول الكهف؟

س: لماذا نقرؤها كل جمعة؟

س:ما أبرز موضوعات السورة؟

ثم : حاولي ان تجيبي عليها ، وقارني بين إجابتك على الأسئلة بما قرات في التفسير.

ومن نعم الله على أهل القرآن يوجد حساب الاستشارات القرآنية على تويتر@consquran

 

في البداية إذا لم تحسني تكوين أسئلة ، يمكنك الرجوع إلى كتب التفسير والقراءة فيها بتركيز وفهم ثم حاولي أن تصيغي الأسئلة.

9/ وجهي الأسئلة بعد التفسير للطالبات لإثارة اهتمامهن.

10/ بعد إعداد السؤال وتحديد الإجابة ، فكري في كيفية ربط هذه الفوائد بواقع الطالبات(وهذا هو محور التدبر ولبه)..

11/ لابد ان تراعي الخصائص العمرية للمرحلة التي تدرسينها واختلاف الحاجات..

فما أقدمه للأمهات قد لا يناسب الفتيات وهكذا..

الأطفال ليسوا مطالبين بالتدبر لكن على المعلمة أن تبذل الجهد لتقريب المعنى لهم..

لكنني أحب أن أتساءل :

ما حكمة جعل المفصل في آخر القرآن ، وكونه يركزعلى بناء الإيمان بالله واليوم الآخر .

وما معنى دعاء النبي  لابن عباس وهو ابن عشرسنين أو أقل ( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل )

وما سر إدخال عمر لابن عباس معه في مجلسكبار الصحابة وسؤاله له عن سورة النصر ، وقداستنبط منها مالم يستنبطه كبار الصحابة .

وما معنا قول ابن عمر : تعلمنا الإيمان قبل القرآنوابن عمر من صغار الصحابة

ومن هنا يمكن أن نحدد الجواب على التساؤل منوجهين:

الأولأن التدبر الذي يمكن أن يخاطب به الصغارليس هو التدبر الذي يطالب به الكبار . فتدبرالصغار ينشأ من إبراز المعاني الإيمانية والسلوكيةفي السورة أو الآيات

أرأيت لو ركزت على بناء توحيد الله من سورةالإخلاص ، كيف سيكون أثره عليهم .

صحيح أنهم قد لا يدركوا التدبر بأنفسهم لكنهمبفطرتهم السليم وصفاء عقولهم يدركون عن طريقالتربية والتعليم المعاني الإيمانية بل يتشربونها بكليسر وسهولة لكونها توافق فطرهم السليمة .

مثال :

فهذه معلمة كانت تعلم الأطفال ذوي سن الخامسةسورة الفجر ، فكانت تعرض لهم بما يناسب عقولهمقول الله تعالى ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُالذِّكْرَى (23)يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)  فشرحت لهم الآيات بأسلوب مبسط مركزة على غرسالمعاني الإيمانية ، تقول لهم : هذا حال الكافر يومالقيامة يقف بين يدي النار ليس معه عمل ، لم يؤمنبالله ، لم يصل ، لم يطع والديه ، لم لم لم ...

فذهب أحد الأطفال بعد المدرسة للبيت وجلس يرددالآيات لحفظها وقد استغرق في استعراض المشهدفي عقله حسب شرح المعلمة حتى نسي نفسه وجلسيكرر قول الله تعالى  يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي وقد اغرورقت عيناه بالدمع ففطنت له أمه فسألتهمالك ؟ : فقال يا أمي : ليته آمن ، ليته صلى ، ليتهأطاع والديه حتى لا يدخل النار .

أرأيت أخي كم سيصنع هذا الموقف في هذا الابنلاشك أنه يغني عن سنة دراسية .

وهكذا يمكن لنا أن نبني في نفوس الأبناء هذا المنهجالتدبري للقرآن وفق مستواهم وحاجتهم .

 

والناشئة لهم حاجاتهم ، والأمهات كذلك وكلما كانت المعلمة أكثر معرفة بنفسيات طالباتها اجادت في اختيار الوقفات التي تناسبهم..

وحتى تعرفي انفعال طالباتك: اطلبي منهم التسميع من الآية التي أثرت في نفسك؟ حتى تتعرفي على حاجاتهم..

واولاً وأخيراً.. اللجوء والإلحاح على الله بأن يهدي قلبك ويشرح صدرك ويزيدك فهماً وعملاً إنه جواد كريم..

 

قد يضايقك الوقت في الحلقة:
ركزي أن القلوب نحييها بكثرة السماع..
قفي مع الآيات أثناء التسميع..
كلفيهم بواجب مع تحديد المراجع لهم..

 

علامات التدبر:

1/ اجتماع القلب والفكر حين القراءة ودليله التوقف تعجباً وتعظيماً.

2/ البكاء من خشية الله.

3/ زيادة الإيمان ودليله التكرار العفوي للآيات

4/تغيير العمل والسلوك

5/الطمأنينة

6/ التسبيح والدعاء

7/ القياس والمقارنة ، أقيس حالي مع الآيات ،،كيف أنا مع التقوى والله يثني عليهم ، كيف أنا من الصدق..؟

8/الفرح والاستبشار...

فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو اكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر، أما من لم يحصل عليها فهذا هو المحروم.

 

اغلقي درسك بوصية عملية تتواصون بها من الآيات ..

 

ختاما..

إن أخلصنا في العطاء والتدبر تأتي الأمور الأخرى تباعا..

 

ما كان من صواب فمن الله سبحانه، وما كان من زلل فمن نفسي والشيطان واستغفر الله وأتوب إليه,,

والحمد لله الذي منّ علينا وأعاننا ونسأله القبول والإخلاص

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 اللقاء الثاني بعنوان : تعليم تدبر القرآن ان شاء الله

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق