مجلس تدبر سورة الشمس~
سورة مكية ذكر الله عز وجل فيها أن من أسباب الفوز والفلاح محاسبة النفس ومراجعتها وتعاهدها، وبذلك تستقيم النفوس وتتزكى القلوب
في مطلع السورة يقسم الله بسبعة أشياء من مخلوقاته العظيمة..
﴿وَالشَّمسِ وَضُحاها﴾
أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة، فقال:
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ أي: نورها، ونفعها الصادر منها.
﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ أي: تبعها في المنازل والنور.
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلمًا.
فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم،وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه فباطل.
﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ يحتمل أن " ما " موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكونالإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان.
﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع وجوه الانتفاع.
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ يحتمل أن المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم، ويحتمل أن المراد بالإقسام بنفس الإنسان المكلف،بدليل ما يأتي بعده.
وعلى كل، فالنفس آية كبيرة من آياته التي حقيقة بالإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل [والحركة] والتغير والتأثروالانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذاالوجه آية من آيات الله العظيمة.
﴿فَأَلهَمَها فُجورَها وَتَقواها﴾
فأفهمها من غير تعليم ما هو شرّ لتجتنبه، وما هو خير لتأتيه.
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقترافللذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾ أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله
﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ أي: أشقى القبيلة، [وهو] " قدار بن سالف " لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم.
﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ﴾ صالح عليه السلام محذرًا: ﴿نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾ أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمةالله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا.
﴿فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ﴾ أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمينعلى ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا.
﴿فَسَوَّاهَا﴾ عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة
﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ أي: تبعتها.
وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟
قال ابن تيمية رحمه الله: إذا كان هذا عذابه لهؤلاء ، وذنبهم مع الشرك عقر الناقة التي جعلها الله آية لهم، فمن انتهك محارم الله واستخفبأوامره ونواهيه وعقر عباده وسفك دماءهم كان أشد عذاباً..
تمت ولله الحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق